دمشق والقدس وعناق فيروزي هند نوري عبيدين Feirouz Damas et Jérusalem éternelle étreinte par Hind Obiedin |
![]() |
![]() |
![]() |
Written by Hind Obiedin |
Monday, 28 November 2016 09:48 |
دمشق والقدس وعناق فيروزي هند نوري عبيدين منذ أول معرفتي بالحياة وفهم اللغة بدأت أتذوق اللحن والأغنية وأكثر ما شدني في ذلك الوقت الصوت
الملائكي الشجي المنساب من خلال جهاز المذياع عبر الأثير من خلال برنامج كان اسمه «مرحباً يا صباح» ففيروز كانت تصدح بأرقى الكلمات وأعذب الألحان وكنت أرقب صوتها بلهفة المشتاق لأبدأ يوماً سعيداً مستبشرة فيه الساعات الآتية. كان في صوتها سحر وحنان يأخذ الألباب فيسمو بك الشعور ويرفعك الإحساس إلى أعالي السماء فتحلق عالياً بين الغيوم تحاكي النجوم، وبهدوء الصَبا تعيدك من رحلتك سليماً، معافى، مرهف الإحساس. كنت أنتظر رحلتي اليومية باشتياق الخضرة إلى الماء، كيف لا وقد جمعني وإياها عشق مجنون ملك منا القلب والعقل، عشق دمشقي الملامح، شآمي المرتسم، فدمشق تأويل هذا الشرق في اكتمال خطاه «ظمئ الشرق فيا شام اسكبي واملئي الكأس له حتى الجمام، أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم في عروة الدهر وسام»، دمشق فيحاء الشرق، حورية المدائن «أنا حسبي أنني من جبل هو بين الله والأرض كلام، قمم كالشمس في قسمتها تلد النور وتغطيه الأنام»، ترنيمة العشق الأزلي، مفخرة التاريخ وفيض الحضارات «قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب، شآم ما المجد أنت المجد لم يغب»، دمشق تراتيل الأنبياء والقديسيين «شآم أرض الشهامات التي اصطبغت بعندمي نمته الشمس منسكب»، دمشق سيف الحق الذي لم يغب «شآم يا ذا السيف لم يغب يا كلام المجد في الكتب». فيروز غنت طربت وأطربت.. وفي دمشق كان لصوتها معنى آخر «هنا الترابات من طيب ومن طرب وأين في غير شام يطرب الحجر ». عرفت فيروز أصالة العروبة الدمشقية، عرفت فيروز بأن الشام آخر قلاع العروبة النازفة، أمسكت بيدي وأخذتني معها إلى جنوب سورية وقالت:«نسمة من صوب سورية الجنوب، قلت هل المشتهى وافى الحبيب».. نعم من صوب سورية الجنوب، تعرفت منها ومعها على فلسطين المغتصبة فكانت أصدق الأنباء، تعلق قلبي بهوى المدن الفلسطينية، أعطاني صوتها الإحساس بانتمائي إلى كل شبر من تراب فلسطين، تعرفت على القدس وزرت جميع شوارعها العتيقة، مررت على دكاكينها وسلمت على أهلها، وأحسست بغصة الفراق ودمعة الوداع، لوحت بيدي لشادي القاطن هناك خلف الأسلاك «وراح شادي وما عدت شفته وخفت وصرت اندهلو وينك رايح يا شادي» ولم يجبني شادي فبكيت حرقة ولوعة، «اندهلو وما يسمعني» هزني الحماس فأشهرت معها سيفي وكنت كدون كيشوت أحيا الأحلام وأركض إلى الأجراس أقرعها لعلي أسارع بالعودة، كنت أحلم بالنصر، بالعودة، أردد صلاتي وأقرنها بالوعد الذي عشته، وما زلت أردد «أجراس العودة فلتقرع» وصدقاً ما نسيت فلسطين.. ماذا أحدثكم عن فيروز؟ أأقول لكم الصدق، الصدق زرعت في قلبي هوى وجعلته عليلاً..أخذت بيدي، وزرعتني فسيلة ورد هناك في فلسطين في أرض علاها الشوك والصبار، جرجرتني وتركتني هناك معلقة الروح والفؤاد في بيسان، قالت لي: «انتظري ها هنا وسنرجع يوماً للالتقاء، أذكر أنها قالت»سنرجع يوماً إلى حينا ونغرق في دافئات الهناء، سنرجع مهما يمر الزمان وتقصي المسافات ما بيننا».. بقيت انتظر اللقاء، مزروعة بين اللوز والعوسج، أتنشق عطر الليمون والبرتقال، أتلمس لزوجة التراب الممزوج بالدم العربي الأبي، أمسك قبضة وأشكلها لعلها تصبح عصفوراً دمشقياً يطير ليخبر أهلنا هناك في الحصار بأننا لن نتنازل عن أرضنا، لن نتنازل عن حق أخوتنا في العودة، ليخبر أهلنا بأن الشام على العهد باقية، صامدة، مقاومة مهما عصفت من حولها رياح الحقد والدمار «بالغار كللت أم بالنار يا شام أنت الأميرة تعلو باسمك الهام، أواه بضع غمامات مشردة في الأفق بعض رؤى والبعض أحلام، سألتهن أظللتنها صبحاً شآم التي وحدها للعود أنغام، ما ألهمتني من صوت خلدت به كذا يخلد شك السيف مقدام، وطالعتني ليال من بطولتها حمر تغاولتها في الريح أعلام،.. يا شام سكبك مجد ما يكون إذا بملء كفك دفقاً أفرغ الجام».. فيروز قالت وقلت معها «شآم يا بنة ماض حاضر أبداً كأنك السيف مجد القول يختصر، حملت دنيا على كفيك فالتفتت إليك دنيا وأغضى دونك القدر»..< فيروز أتت دمشق قائلة:«حَمَلْتُ بَيْروتَ في صَوتِي وفي نَغَمِـي، وَحَمَّلَتْنِـي دِمَشْـقُ السَّيْفَ في القَلَـمِ.. أنا على الدَّرْبِ يا وادي الحَرير هَوىً، بَيْـنَ الحَبيبَيْـنِ ما قَلْبـي بِمُنْقَسِـمِ، أفْـدِي العُيـونَ الشَّـآمِيَّاتِ نَاعِسَـةً، بالنَّوْمِ هَمَّـتْ عَلَـى حُلْـمٍ وَلَمْ تَنَـمِ، هُنَّ اللّوَاتي جَرَحْنَ العُمْرَ مِنْ شَـغَفٍ، وَطِـرْنَ بي نَغَمَاً يَبْكـي بِكُـلِّ فَـمِ، قلبي مِنَ الحُـبِّ كَـرْمٌ لا سِـياجَ لَهُ، نَهْـبُ الأحِبَّـةِ مِنْ سَـاهٍ وَمِنْ نَهِـمِ، ويا هَـوىً مِنْ دِمَشْـقٍ لا يُفَارِقُنِـي، سُكْنَاكَ في البَالِ سُكْنَى اللّوْنِ في العَلَمِ». فيروز أعلنت للدنيا بأن الشام الوفية ما تعبت يوماً من ظلم الأهل والأقارب، ما أنكرت يوماً رباط الدم ولوعة الأحباب، فيروز قالت للعالم:«مشت الشام إلى لبنان شوقاً والتياحا، فأفرشي الطرق قلوباً و ثغوراً وصداحا، غرة من عبد شمس تملأ الليل صباحا، وحسام يعربي الحد ما مل الكفاحا، يشرعان الراية الحمراء و الحق الصراحا، جمع المجد على الأرز سيوفاً وجراحا، فتساوينا جهاداً وتآخينا سلاحا، و نشرناها على الدنيا جناحاً و جناحا». فيروز في عيدها الثمانيني ليس في فمها اليوم قولاً للعرب كل العرب إلا.. أفيقوا من سباتكم يا عرب .. فقد "طمى الخطب حتى غاصت الركب".. |
Last Updated on Monday, 28 November 2016 09:54 |